كل الطرق تبدأ من روما
أميمة الخميس
لم أستطع أن أسمع في شوارع روما سوى وقع سنابك الخيول على الطرقات، وقعقة الدروع، وهدير جيوش الإمبراطورية التي كانتها في يوم ما، وإلى الآن لم تستطع أن تكون شيئاً غيرها، فحينما تظل لمدة خمسة قرون عاصمة لإمبراطورية، حتما عندها ستحمل ملامح خاصة بك لا تشبه أي مدينة في العالم،
بنى الرومان عاصمتهم فوق سبعة تلال، وجعلوا من البحر الأبيض بحيرتهم ومنتجعهم، وانفرشت حوله إمبراطوريتهم الخالدة، وألهمت العالم بأعمدتها ومسارحها وأقواسها، وقوادها المتعجرفين ذوي الأنوف الجميلة، ومجدها الذي كان يرغم كل ما يتحرك حول بحيرتهم لأن يكون مستعمرة جديدة.
روما دجنت آلهتها وصنعت منهم مجمع النبلاء، فأسسوا في البانثيون (جمهورية) وأول نظام سياسي متحضر، ولكن لم تدم تلك الجمهورية طويلاً، رغم أن مجمع شيوخها قتل القيصر يوليوس فداء للجمهورية، ولكنها انهارت ولم يبق سوى صليل سيوف الجيش وقواده القساة، الذين عندما ثار عليهم العبيد وسبارتكوس أحرقوهم.. صارمة كانت قوانين الإمبراطورية.
وعندما التف جماعة من اليهود في فلسطين حول نبي مسالم يدير خده الأيسر لمن صفعه على الأيمن، اعتقدوا أنهم صلبوه، وعندما وصل أتباعه كمبشرين لروما جعلوا منهم طعاماً لأسودهم الجائعة في الكولزيوم، لكن عربة التاريخ دائماً تجلب المفارقات والعجائب، فداخل روما الوثنية المأخوذة بعظمتها، ارتفع المسيح عليه السلام كامبراطور أبدي، وأصبحت روما عاصمة المسيحية العالمية، قدس الأقداس تعمد العالم المسيحي، وكما انطلقت من هناك انطلقت البشارات والحملات التبشيرية، وانطلقت أيضاً الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش.
تزدحم شوارع روما بالكنائس ورجال الدين والراهبات، وهم في نسختهم المشذبة المهذبة مقصقصة الأظفار والأجنحة، فلم تعد محاكم التفتيش تحرق الساحرات، وتلقي بالعلماء والفلاسفة في القدور التي تغلي.. بتهمة الهرطقة.
وأجمل مفارقة قد تستوقفك في روما حتماً في ميدان ريبابليكا، حيث يرتفع تمثال جميل باذخ للعالم (جالليو) داخل كنيسة سانتا ماريا كاعتذار نبيل متأخر خمسة قرون، تقدمه الكنيسة لجالليو الذي حاكمته في يوم ما لأنه هرطق ضد إرادة ومعارف الكنيسة وقال :- بأن الشمس هي مركز العالم وليس الأرض!
بات الفتيكان اليوم حياً موارباً من أحياء روما، جل همة أن ينظم دخول وخروج السياح إلى متاحفه الأخاذة الباذخة، ويحميهم من النشالين، بينما روما مشغولة عنه، بلعبة العالم الجديد والشنيغن، والشركات العابرة للقارات التي حينما تحل فوق أرض الرومان، حتما هناك مصنع إيطالي أنيق سيغلق.
رغم هذا تظل روما ترتكب الجمال مع كل صباح وفي كل منعطف، بهجة اللون الدقة النقوش والتخريمات والنحت، الذي قد تراه على أعمدة كنيسة ستجده بعد قليل قد انتقل إلى ياقة ثوب أنيق أو حقيبة جلدية فاخرة.
في روما باستطاعتك أن تعرف الكثير وبسرعة لأن أهلها متبسطون حد الثرثرة، بشكل يتقاطع مع طبيعة الحذر والتوجس التي نملكها نحن الأعراب القادمون من قاع الصحراء.
إيطاليا كالعادة في كل مرة تخبئ لنا فوق الخريطة مدينة غامضة وحكاية لم نسمعها.. وإغراء بأن نزورها من جديد.
أميمة الخميس
لم أستطع أن أسمع في شوارع روما سوى وقع سنابك الخيول على الطرقات، وقعقة الدروع، وهدير جيوش الإمبراطورية التي كانتها في يوم ما، وإلى الآن لم تستطع أن تكون شيئاً غيرها، فحينما تظل لمدة خمسة قرون عاصمة لإمبراطورية، حتما عندها ستحمل ملامح خاصة بك لا تشبه أي مدينة في العالم،
بنى الرومان عاصمتهم فوق سبعة تلال، وجعلوا من البحر الأبيض بحيرتهم ومنتجعهم، وانفرشت حوله إمبراطوريتهم الخالدة، وألهمت العالم بأعمدتها ومسارحها وأقواسها، وقوادها المتعجرفين ذوي الأنوف الجميلة، ومجدها الذي كان يرغم كل ما يتحرك حول بحيرتهم لأن يكون مستعمرة جديدة.
روما دجنت آلهتها وصنعت منهم مجمع النبلاء، فأسسوا في البانثيون (جمهورية) وأول نظام سياسي متحضر، ولكن لم تدم تلك الجمهورية طويلاً، رغم أن مجمع شيوخها قتل القيصر يوليوس فداء للجمهورية، ولكنها انهارت ولم يبق سوى صليل سيوف الجيش وقواده القساة، الذين عندما ثار عليهم العبيد وسبارتكوس أحرقوهم.. صارمة كانت قوانين الإمبراطورية.
وعندما التف جماعة من اليهود في فلسطين حول نبي مسالم يدير خده الأيسر لمن صفعه على الأيمن، اعتقدوا أنهم صلبوه، وعندما وصل أتباعه كمبشرين لروما جعلوا منهم طعاماً لأسودهم الجائعة في الكولزيوم، لكن عربة التاريخ دائماً تجلب المفارقات والعجائب، فداخل روما الوثنية المأخوذة بعظمتها، ارتفع المسيح عليه السلام كامبراطور أبدي، وأصبحت روما عاصمة المسيحية العالمية، قدس الأقداس تعمد العالم المسيحي، وكما انطلقت من هناك انطلقت البشارات والحملات التبشيرية، وانطلقت أيضاً الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش.
تزدحم شوارع روما بالكنائس ورجال الدين والراهبات، وهم في نسختهم المشذبة المهذبة مقصقصة الأظفار والأجنحة، فلم تعد محاكم التفتيش تحرق الساحرات، وتلقي بالعلماء والفلاسفة في القدور التي تغلي.. بتهمة الهرطقة.
وأجمل مفارقة قد تستوقفك في روما حتماً في ميدان ريبابليكا، حيث يرتفع تمثال جميل باذخ للعالم (جالليو) داخل كنيسة سانتا ماريا كاعتذار نبيل متأخر خمسة قرون، تقدمه الكنيسة لجالليو الذي حاكمته في يوم ما لأنه هرطق ضد إرادة ومعارف الكنيسة وقال :- بأن الشمس هي مركز العالم وليس الأرض!
بات الفتيكان اليوم حياً موارباً من أحياء روما، جل همة أن ينظم دخول وخروج السياح إلى متاحفه الأخاذة الباذخة، ويحميهم من النشالين، بينما روما مشغولة عنه، بلعبة العالم الجديد والشنيغن، والشركات العابرة للقارات التي حينما تحل فوق أرض الرومان، حتما هناك مصنع إيطالي أنيق سيغلق.
رغم هذا تظل روما ترتكب الجمال مع كل صباح وفي كل منعطف، بهجة اللون الدقة النقوش والتخريمات والنحت، الذي قد تراه على أعمدة كنيسة ستجده بعد قليل قد انتقل إلى ياقة ثوب أنيق أو حقيبة جلدية فاخرة.
في روما باستطاعتك أن تعرف الكثير وبسرعة لأن أهلها متبسطون حد الثرثرة، بشكل يتقاطع مع طبيعة الحذر والتوجس التي نملكها نحن الأعراب القادمون من قاع الصحراء.
إيطاليا كالعادة في كل مرة تخبئ لنا فوق الخريطة مدينة غامضة وحكاية لم نسمعها.. وإغراء بأن نزورها من جديد.
