ما ذنب الشيعة والمجوس والفرس؟!
د. إبراهيم بن سليمان المطرودي
من الظلم البيّن لأخوتنا الشيعة في مشارق الأرض ومغاربها أن تُجعل العلة التي عليها نحارب تمدد النظام الإيراني في أراضينا، ونُناهض أجندته، ونسعى لتجفيف مناطقنا العربية منه، راجعة إلى تشيعه وحبّه لآل البيت، وليس إلى أطماعه التوسعية، وسوء علاقته الدنيوية بجيرانه، والمشاركين له في الدين
تحديد العدو بدقةٍ في الحياة ضرورة يُمليها علينا تجنبنا ظلم الآخرين، وحفظ جهودنا أن تذهب سُدى، ومحبتنا تحقيق الغلبة عليه بأقل الأضرار الممكنة، ويدعونا إلى هذا حرصنا أن نجمع قوانا تِجاهه، ونبذل طاقاتنا في النيل منه، وإيقاف تعدّيه. وإذا كان من لا يُحدد هدفه تتوه به قدمه، وتَضِلّ به عن السبيل فطنته؛ فإن من لا يُعيّن عدوه، ويُوضّحه، ويرسمه بجلاء لنفسه؛ يكون مصيره كذلك، فيظلم الآخرين، ويستعديهم على نفسه، فيكثر أعداؤه، ويعظم غُرماؤه، وتحول طريقته في تدبير شؤونه دون تحقيق هدفه، وبلوغ مقصده، وقد كان إنجاز مهمته، والوصول إلى هدفه، أيسر كلفة، وأهون مؤونة عليه؛ لو عرف عدوه، وميّزه عن غيره، ولم يخلطه به.
قلت هذا، وأنا أشاهد عدداً غير يسير ممن نقل ميدان المعركة مع النظام الإيراني إلى الشيعة والمجوس والفرس! فوسّع دائرة الحرب، وبخس الشيعة حقهم، وظلمهم في حشرهم مع النظام الإيراني في طهران، وكذلك فعل مع المجوس؛ إذ سخر منهم، واستهزأ بهم، واتخذهم سُبّة للشيعة؛ كأنّما كان لدينه مُحصّلاً، ولتدينه بعقله نائلاً، ومثل ذاك أجراه مع الفرس؛ فبعث ثقافة الثأر، وأعادها من جديد، ومكّن النظام الإيراني أن يُصوّر لجماهيره موقف دولنا الخليجية صادراً من عداء للشيعة، وكره لأسلافهم في أعراقهم، وذمّ لهم في أديانهم، وملّكه بهذا وذاك سبلاً لتشويه دعوتنا، وإخراجها عن هدفها، وإبعادها عمّا أريد لها أن تمثّلها، وتسعى إلى المطالبة به.
من الظلم البيّن لأخوتنا الشيعة في مشارق الأرض ومغاربها أن تُجعل العلة التي عليها نحارب تمدد النظام الإيراني في أراضينا، ونُناهض أجندته، ونسعى لتجفيف مناطقنا العربية منه، راجعة إلى تشيعه وحبّه لآل البيت، وليس إلى أطماعه التوسعية، وسوء علاقته الدنيوية بجيرانه، والمشاركين له في الدين.
يعلم جميعنا أن الشيعة لهم حضور في كثير من الدول غير إيران؛ فهم في العراق يمثّلون تقريباً نصف السكان من المسلمين، وفي باكستان يمثّلون تقريباً خمسة عشر بالمئة من تعداد المسلمين، وكذلك الحال في الهند، وفي اليمن تبلغ نسبتهم تقريباً خسمة وثلاثين من مسلميه، وفي تركيا تبلغ نسبتهم تقريبا خمسة عشر من عدد المسلمين، وفي أذريبجان بلغت نسبتهم تقريباً سبعين في المئة من المسلمين، وفي أفغانستان بلغت نسبتهم من المسلمين حوالي عشرين بالمئة، وفي نيجيريا يبلغ عددهم حوالي خمسة بالمئة من عدد المسلمين، وفي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا يبلغ عددهم خمسة عشر في المئة من عدد المسلمين هناك، ولهم وجود في دول أخرى يعرفها الجميع كدولتنا، والإمارات، والبحرين، والكويت، وقطر، وعُمان، وطاجكستان، ومصر، وبلغاريا، وأندونيسيا، فما الذي يدعونا إلى تصوير الصراع مع النظام الإيراني بصورة الصراع مع الشيعة؟ ما دخل هذه الشعوب الإسلامية المسالمة أن تُحشر مع نظام يتعدّى على جيرانه، ويسعى لإثارة القلاقل في بلادهم، ويستنجد ببعض المخدوعين فيها؟ لماذا يتحمّل إخواننا الشيعة في مشارق الأرض ومغاربها وزر هذا النظام المندفع بأطماعه التي لم تعد أنظمة الحياة العالمية تُقرّها، ولا تسمح بها؟!.
إن النظام الإيراني هو المنتفع الأكبر من إدخال المذاهب الدينية في هذا الصراع، ونحن الخاسرون الوحيدون فيه، فنحن اليوم محتاجون جداً لعزله عالمياً بسبب أطماعه السياسية، وانتهاكه حقوق الدول كلبنان مثلاً؛ كما عُزل عالمياً بسبب من تهالكه على امتلاك السلاح النووي، وتشميره في نيله، وهذه العزلة لا يُساعدنا عليها شيء مثل أن نعزله عن مذهبه الذي ينتمي إليه، ويسعى به لجمع الناس من حوله؛ إننا حين نضع سبب الصراع معه على لافتة كبيرة، ونقول: لا دخل لنا بدينه، ولا بمذهبه؛ فكل امرئ مسوؤل فيه عن نفسه، وإنما أقلقنا تدخله في شؤوننا، واستغلاله بعض أبنائنا المخدوعين به، حينها سنجمع الناس من حولنا، وستقتنع الدول كلها تقريباً بقضيتنا؛ فأي دولة في العالم اليوم تقبل من دولة أخرى أن تدعم أهل دينها أو مذهبها، وتجعلهم غصة في حلقها؟! وأي دولة مدنية في العالم تقبل أن ينحاز بعض مجتمعه إلى موالاة الأديان والمذاهب، ويدع موالاة مجتمعه ودولته؟!.
من غرائب خطابنا الثقافي أنه يشكو الطائفية إلى الرائح والغادي، ويتذمّر من التشاتم باسم الأديان والمذاهب، ويعزو إلى ذلك كثيراً من تحدياته في الماضي والحاضر؛ لكنه يغفل تمام الغفلة عن الغطاء اللغوي، والسقف الكلامي، الذي ينبض بكل مصطلحات الطائفية، وتنتعش جنباته بها، وكان علينا أولا أن نُطهّر هذا الغطاء، ونتفحص هذا السقف من ألفاظ وعبارات صَدَقَ عليها قول العرب: مقتل الرجل بين فكيه؛ لكنها هذه الأيام تقتل أمة ومجتمعات؛ فربّما كان بلاؤنا من لغتنا التي نتحدث بها، ومصطلحاتنا التي تأسر ألسنتنا، وتقود أحاديثنا.
وما من الخير لنا أن نستدعي الأديان القديمة في صراعنا مع هذا النظام، فننسبه إلى المجوس والمجوسية (الزرادشتية)، ونضع في يده حق استثارة أتباعه علينا، وتظلّمهم منا، ونسمح له أن يُروّج عنا أننا فعلنا ذلك بسبب تشيعه، وميله إلى آل البيت، وما من الخير لنا أن نهزأ بهذا الدين (المجوسية) وأهله، ونجعلهم لُوكة في أفواهنا، ونتخذهم في تهاجينا مع هذا النظام، والله تعالى يقول لنا في كتابه: (ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار، وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق)، ونحن حين نفعل ذلك نُحمل المجوسية جريرة هذا النظام المتغطرس، ونعزو إليها تجبّره وظلمه، وهي ديانة قامت على الصدق، ودعت إليه في الفكر والقول، وحثت أتباعها على العمل الصالح، والحرص عليه، وما زال لها أتباع في هذا العالم، ويذهب فريق من الباحثين إلى أنها ديانة توحيدية، جرى عليها مثلما جرى على كثير من الديانات التي حُرّفت، وفقدت كثيراً من بريقها السماوي على أيدي البشر.
ومن غير العدل أن نجعل صراعنا مع النظام الإيراني وحلفائه في دولنا صراعاً مع الفرس! ومحاربة لهم؛ فها نحن نصارع معهم أبناءنا، الذين تخلّوا عنا، ورضوا بهذا النظام في لبنان واليمن وغيرهما، وقدّموا الولاء له، وآثروه به على ولائهم لدولهم ومجتمعاتهم وشعوبهم، ومن بخس الفرس حقوقهم أن نجعلهم مسؤولين عمّا يقترفه هذا النظام، ويجترئ على القيام به، في عصر أبين خصائصه تجريم التدخل في شؤون الآخرين، وتجريم أن يكون الدين والمذهب والعرق غطاء تتخذه الدول في تفريق مجتمعات غيرها، وتنسلّ بالنميمة إلى زراعة التباعض والتدابر بين أفرادها؛ إذ لو حدث هذا لما نجت دولة من دول هذا العالم من احتراب شعوبها، وتقاتل أفرادها، ولربّما عادت حروب أوروبا وأمريكا مثلاً من جديد؛ لكن بصبغة جديدة، تتخذ من الأصل والجنس والعرق وقوداً لها، وزناداً يشبّها بعدما خمدت، واطمأنت الناس إلى عدم عودتها.
وليس يغيب عنا أنّ الذهاب إلى القول بأن صراعنا هذه الأيام في اليمن مع الفرس، ومحاولة إظهار المعركة بين عرب وفرس، يجعلنا نُظهر النظام الإيراني بمظهر الذي يُمثّل الشريحة الكبرى من شعبه، وينقاد إلى مطالبها، وتلك صفة يفتقدها، ولا يُفكّر بالحصول عليها؛ لولا خطاب بعضنا، وتهاونه في هذا الشأن، وخبر تمثيله للفرس عند شعبه الذي يعيش حالة اقتصادية مزرية، ترجع كلها إلى إيثار هذا النظام امتلاك السلاح النووي، على رفاه شعبه، وتحسن معيشته.
وأخيراً لا يغيب عن كثير من السادة القراء أنّ النسّابة، والعهدة على المسعودي في كتابه "مروج الذهب" 2 / 244 وما بعدها، يذهبون في بعض أقوالهم إلى أن الفرس يرجعون إما إلى سام بن نوح، وإما إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وعلى هذا وذاك فهم ونحن من الساميين، ويُظن بنا بهذا، وبما تقدّم، أن نتجه إلى فصلهم عن هذا النظام الذي لا يُفكر في جنس ولا عرق، وإنما تدفع به مطامعه الإقليمية، ومطامحه التوسعية، في عصر لم تعد ثقافته تسمح بمثل هذا، وتتقبل صدوره؛ لكن ما حيلتنا في نظام، وليس فرداً، يعيش في رفوف الماضي، ويُؤثر أن يرهن مستقبل مواطنيه بهذه الثقافة التي أكل عليها الدهر وشرب؛ كما يقول الناس؟
د. إبراهيم بن سليمان المطرودي
من الظلم البيّن لأخوتنا الشيعة في مشارق الأرض ومغاربها أن تُجعل العلة التي عليها نحارب تمدد النظام الإيراني في أراضينا، ونُناهض أجندته، ونسعى لتجفيف مناطقنا العربية منه، راجعة إلى تشيعه وحبّه لآل البيت، وليس إلى أطماعه التوسعية، وسوء علاقته الدنيوية بجيرانه، والمشاركين له في الدين
تحديد العدو بدقةٍ في الحياة ضرورة يُمليها علينا تجنبنا ظلم الآخرين، وحفظ جهودنا أن تذهب سُدى، ومحبتنا تحقيق الغلبة عليه بأقل الأضرار الممكنة، ويدعونا إلى هذا حرصنا أن نجمع قوانا تِجاهه، ونبذل طاقاتنا في النيل منه، وإيقاف تعدّيه. وإذا كان من لا يُحدد هدفه تتوه به قدمه، وتَضِلّ به عن السبيل فطنته؛ فإن من لا يُعيّن عدوه، ويُوضّحه، ويرسمه بجلاء لنفسه؛ يكون مصيره كذلك، فيظلم الآخرين، ويستعديهم على نفسه، فيكثر أعداؤه، ويعظم غُرماؤه، وتحول طريقته في تدبير شؤونه دون تحقيق هدفه، وبلوغ مقصده، وقد كان إنجاز مهمته، والوصول إلى هدفه، أيسر كلفة، وأهون مؤونة عليه؛ لو عرف عدوه، وميّزه عن غيره، ولم يخلطه به.
قلت هذا، وأنا أشاهد عدداً غير يسير ممن نقل ميدان المعركة مع النظام الإيراني إلى الشيعة والمجوس والفرس! فوسّع دائرة الحرب، وبخس الشيعة حقهم، وظلمهم في حشرهم مع النظام الإيراني في طهران، وكذلك فعل مع المجوس؛ إذ سخر منهم، واستهزأ بهم، واتخذهم سُبّة للشيعة؛ كأنّما كان لدينه مُحصّلاً، ولتدينه بعقله نائلاً، ومثل ذاك أجراه مع الفرس؛ فبعث ثقافة الثأر، وأعادها من جديد، ومكّن النظام الإيراني أن يُصوّر لجماهيره موقف دولنا الخليجية صادراً من عداء للشيعة، وكره لأسلافهم في أعراقهم، وذمّ لهم في أديانهم، وملّكه بهذا وذاك سبلاً لتشويه دعوتنا، وإخراجها عن هدفها، وإبعادها عمّا أريد لها أن تمثّلها، وتسعى إلى المطالبة به.
من الظلم البيّن لأخوتنا الشيعة في مشارق الأرض ومغاربها أن تُجعل العلة التي عليها نحارب تمدد النظام الإيراني في أراضينا، ونُناهض أجندته، ونسعى لتجفيف مناطقنا العربية منه، راجعة إلى تشيعه وحبّه لآل البيت، وليس إلى أطماعه التوسعية، وسوء علاقته الدنيوية بجيرانه، والمشاركين له في الدين.
يعلم جميعنا أن الشيعة لهم حضور في كثير من الدول غير إيران؛ فهم في العراق يمثّلون تقريباً نصف السكان من المسلمين، وفي باكستان يمثّلون تقريباً خمسة عشر بالمئة من تعداد المسلمين، وكذلك الحال في الهند، وفي اليمن تبلغ نسبتهم تقريباً خسمة وثلاثين من مسلميه، وفي تركيا تبلغ نسبتهم تقريبا خمسة عشر من عدد المسلمين، وفي أذريبجان بلغت نسبتهم تقريباً سبعين في المئة من المسلمين، وفي أفغانستان بلغت نسبتهم من المسلمين حوالي عشرين بالمئة، وفي نيجيريا يبلغ عددهم حوالي خمسة بالمئة من عدد المسلمين، وفي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا يبلغ عددهم خمسة عشر في المئة من عدد المسلمين هناك، ولهم وجود في دول أخرى يعرفها الجميع كدولتنا، والإمارات، والبحرين، والكويت، وقطر، وعُمان، وطاجكستان، ومصر، وبلغاريا، وأندونيسيا، فما الذي يدعونا إلى تصوير الصراع مع النظام الإيراني بصورة الصراع مع الشيعة؟ ما دخل هذه الشعوب الإسلامية المسالمة أن تُحشر مع نظام يتعدّى على جيرانه، ويسعى لإثارة القلاقل في بلادهم، ويستنجد ببعض المخدوعين فيها؟ لماذا يتحمّل إخواننا الشيعة في مشارق الأرض ومغاربها وزر هذا النظام المندفع بأطماعه التي لم تعد أنظمة الحياة العالمية تُقرّها، ولا تسمح بها؟!.
إن النظام الإيراني هو المنتفع الأكبر من إدخال المذاهب الدينية في هذا الصراع، ونحن الخاسرون الوحيدون فيه، فنحن اليوم محتاجون جداً لعزله عالمياً بسبب أطماعه السياسية، وانتهاكه حقوق الدول كلبنان مثلاً؛ كما عُزل عالمياً بسبب من تهالكه على امتلاك السلاح النووي، وتشميره في نيله، وهذه العزلة لا يُساعدنا عليها شيء مثل أن نعزله عن مذهبه الذي ينتمي إليه، ويسعى به لجمع الناس من حوله؛ إننا حين نضع سبب الصراع معه على لافتة كبيرة، ونقول: لا دخل لنا بدينه، ولا بمذهبه؛ فكل امرئ مسوؤل فيه عن نفسه، وإنما أقلقنا تدخله في شؤوننا، واستغلاله بعض أبنائنا المخدوعين به، حينها سنجمع الناس من حولنا، وستقتنع الدول كلها تقريباً بقضيتنا؛ فأي دولة في العالم اليوم تقبل من دولة أخرى أن تدعم أهل دينها أو مذهبها، وتجعلهم غصة في حلقها؟! وأي دولة مدنية في العالم تقبل أن ينحاز بعض مجتمعه إلى موالاة الأديان والمذاهب، ويدع موالاة مجتمعه ودولته؟!.
من غرائب خطابنا الثقافي أنه يشكو الطائفية إلى الرائح والغادي، ويتذمّر من التشاتم باسم الأديان والمذاهب، ويعزو إلى ذلك كثيراً من تحدياته في الماضي والحاضر؛ لكنه يغفل تمام الغفلة عن الغطاء اللغوي، والسقف الكلامي، الذي ينبض بكل مصطلحات الطائفية، وتنتعش جنباته بها، وكان علينا أولا أن نُطهّر هذا الغطاء، ونتفحص هذا السقف من ألفاظ وعبارات صَدَقَ عليها قول العرب: مقتل الرجل بين فكيه؛ لكنها هذه الأيام تقتل أمة ومجتمعات؛ فربّما كان بلاؤنا من لغتنا التي نتحدث بها، ومصطلحاتنا التي تأسر ألسنتنا، وتقود أحاديثنا.
وما من الخير لنا أن نستدعي الأديان القديمة في صراعنا مع هذا النظام، فننسبه إلى المجوس والمجوسية (الزرادشتية)، ونضع في يده حق استثارة أتباعه علينا، وتظلّمهم منا، ونسمح له أن يُروّج عنا أننا فعلنا ذلك بسبب تشيعه، وميله إلى آل البيت، وما من الخير لنا أن نهزأ بهذا الدين (المجوسية) وأهله، ونجعلهم لُوكة في أفواهنا، ونتخذهم في تهاجينا مع هذا النظام، والله تعالى يقول لنا في كتابه: (ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار، وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق)، ونحن حين نفعل ذلك نُحمل المجوسية جريرة هذا النظام المتغطرس، ونعزو إليها تجبّره وظلمه، وهي ديانة قامت على الصدق، ودعت إليه في الفكر والقول، وحثت أتباعها على العمل الصالح، والحرص عليه، وما زال لها أتباع في هذا العالم، ويذهب فريق من الباحثين إلى أنها ديانة توحيدية، جرى عليها مثلما جرى على كثير من الديانات التي حُرّفت، وفقدت كثيراً من بريقها السماوي على أيدي البشر.
ومن غير العدل أن نجعل صراعنا مع النظام الإيراني وحلفائه في دولنا صراعاً مع الفرس! ومحاربة لهم؛ فها نحن نصارع معهم أبناءنا، الذين تخلّوا عنا، ورضوا بهذا النظام في لبنان واليمن وغيرهما، وقدّموا الولاء له، وآثروه به على ولائهم لدولهم ومجتمعاتهم وشعوبهم، ومن بخس الفرس حقوقهم أن نجعلهم مسؤولين عمّا يقترفه هذا النظام، ويجترئ على القيام به، في عصر أبين خصائصه تجريم التدخل في شؤون الآخرين، وتجريم أن يكون الدين والمذهب والعرق غطاء تتخذه الدول في تفريق مجتمعات غيرها، وتنسلّ بالنميمة إلى زراعة التباعض والتدابر بين أفرادها؛ إذ لو حدث هذا لما نجت دولة من دول هذا العالم من احتراب شعوبها، وتقاتل أفرادها، ولربّما عادت حروب أوروبا وأمريكا مثلاً من جديد؛ لكن بصبغة جديدة، تتخذ من الأصل والجنس والعرق وقوداً لها، وزناداً يشبّها بعدما خمدت، واطمأنت الناس إلى عدم عودتها.
وليس يغيب عنا أنّ الذهاب إلى القول بأن صراعنا هذه الأيام في اليمن مع الفرس، ومحاولة إظهار المعركة بين عرب وفرس، يجعلنا نُظهر النظام الإيراني بمظهر الذي يُمثّل الشريحة الكبرى من شعبه، وينقاد إلى مطالبها، وتلك صفة يفتقدها، ولا يُفكّر بالحصول عليها؛ لولا خطاب بعضنا، وتهاونه في هذا الشأن، وخبر تمثيله للفرس عند شعبه الذي يعيش حالة اقتصادية مزرية، ترجع كلها إلى إيثار هذا النظام امتلاك السلاح النووي، على رفاه شعبه، وتحسن معيشته.
وأخيراً لا يغيب عن كثير من السادة القراء أنّ النسّابة، والعهدة على المسعودي في كتابه "مروج الذهب" 2 / 244 وما بعدها، يذهبون في بعض أقوالهم إلى أن الفرس يرجعون إما إلى سام بن نوح، وإما إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وعلى هذا وذاك فهم ونحن من الساميين، ويُظن بنا بهذا، وبما تقدّم، أن نتجه إلى فصلهم عن هذا النظام الذي لا يُفكر في جنس ولا عرق، وإنما تدفع به مطامعه الإقليمية، ومطامحه التوسعية، في عصر لم تعد ثقافته تسمح بمثل هذا، وتتقبل صدوره؛ لكن ما حيلتنا في نظام، وليس فرداً، يعيش في رفوف الماضي، ويُؤثر أن يرهن مستقبل مواطنيه بهذه الثقافة التي أكل عليها الدهر وشرب؛ كما يقول الناس؟