فوائد التمر هندي
فوائد التمر الهندي (Tamarind)
منشأ التمر الهندي.. الفوائد والقيم الغذائية.. ودراسات تكشف خواصه العلاجية


يحكى أنه في بلاد الهند البعيدة غابات من أشجار التمر الهندي الضخمة والكبيرة الأوراق، حجبت بأوراقها عنان السماء، إلى أن عمل أحد أمراء الهند القدامى إلى ضرب سهامه بعيداً نحو الأعلى، فإذا بأشجار التمر الهندي مع كل سهم تنقسم وتتحول لأشجار متوسطة الحجم بأوراق رقيقة وصغيرة لكن كثيفة.


كما جرت العادة لدى الهنود بدفن أحبائهم الموتى تحت ظلها، فتحولت مع الزمن رمزاً للموت حتى قيل بأن شجرة التمر الهندي مسكونة بالأرواح لكثرة ما دفن تحت جذوعها، وعليه تقول الأسطورة "بأنه لا تنمو تحت أشجار التمر الهندي أي نوع من النباتات"، كما ينصح بعدم ربط الخيول إلى هذه الأشجار؛ فتسبب مرضها وموتها أيضاً، وأساطير هذه الشجرة لم تقف عند حدود الهند، حيث ينتشر لدى بعض القبائل الإفريقية اعتقاد؛ بأن شجرة التمر الهندي موطن (إله المطر) فهي شجرة مقدسة عندهم، لا يجب المس بها وإلا حرموا نعمة الأمطار.


"ابدأ بكأس التمر الهندي" جملة تسمعها من ذويك تكراراً ومراراً عند البدء بوجبة الإفطار بعد الصوم، ملحقين نصيحتهم لك بعبارة " فوائده كثيرة لصحتك" فتتناول أنت بشكل مباشر ذلك العصير المصنوع من شجرة تحمل الاسم نفسه (تمر هندي)، فهل فكرت ما الفائدة الحقيقة من وراء هذا المشروب ذو المذاق الحلو والحامض في آن واحد، ولماذا سُمي تيمناً ببلاد الهند؟ هل تستورده بلادنا العربية من بلاد البهارات والتوابل؟ وما الفوائد التي يمدنا بها حسب التقاليد والدراسات أيضاً؟


البطاقة التعريفية بالتمر الهندي (Tamarind) وأصل التسمية
تعرف هذه الأشجار بالوسط العلمي النباتي باسم (Tamarindus Indica) أو (الأنديكا)، أما لقب (التمر الهندي) فيُظن بأن أحد التجار العرب أطلقه على هذه الأشجار ومعناه بالعربية (تاريخ الهند)، حيث تمتد جذور التمر الهندي عميقاً في تاريخ وقصص الماضي الهندي، إلا أن أصل الشجرة ليس هندياً أو حتى آسيوياً، بل هي من مواليد القارة السمراء (أفريقيا)، وبشكل أكثر تحديداً من السودان ونيجيريا والكاميرون، ثم انتقلت عبر خطوط التجارة إلى المصريين واليونانيين بعد فترة طويلة من زراعتها في إفريقيا، حيث يُعتقد بأن جذور أشجار التمر الهندي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد.


كما يعتبر التمر الهندي من الأشجار المعمرة بطيئة النمو، وقد يصل طولها في ظل الظروف المناخية المناسبة الدافئة إلى (24- 30) متر، أما جذوعها فقد تمتد إلى حوالي (7,5) متر حيث تمتلك فروعاً مقاومة للهواء، كما يُدرج التمر الهندي في قائمة الفواكه إلى جانب اعتباره أحد أنواع البهارات في الهند، أما أشجاره فتعتبر من فصيلة القرنيات مثل: الفاصولياء والفول بسبب الشكل الذي تأخذه ثمرتها كقرون طويلة نسبياً ذات قشرة قاسية من الخارج مملوءة بلب لزج من الداخل هو التمر.


الطريق التجاري لزراعة التمر الهندي (Tamarind)
تُعدّ شجرة التمر الهندي من الأشجار الأصيلة في القارة الإفريقية وخاصة في أراضي السودان، التي يعتقد بأنها كانت تزرع التمر الهندي منذ القرن الثامن قبل الميلاد؛ ولم تصل إلى الهند إلا بعد مرور العديد من السنين، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى واحدة من المحاصيل الرئيسية وفقاً للسكان الأصليين في الهند، حيث تصنف الهند كأكبر منتج للتمر الهندي في أيامنا هذه على الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة حول الإنتاج لغياب الهيئات المختصة بذلك.


إلا أنه وفقاً لتقديرات بنك البنجاب الوطني (Punjab National Bank) فإن ولاية (Madhya Pradesh) الهندية تنتج لوحدها حوالي (500) ألف طن، وتتنافس الهند مع تايلاند في إنتاج التمر الهندي، فتايلاند تتميز بتطويرها لأحد أنواع التمر الهندي حلو المذاق، كما عرف قدماء المصريين والإغريق التمر الهندي في القرن الرابع قبل الميلاد، ثم ما لبث أن انتشر انطلاقاً من المناطق الإفريقية الاستوائية وصولاً إلى المناطق الآسيوية المدارية، وفي عام (1615) وصلت شجرة التمر الهندي إلى المكسيك عبر سفن التجارة الإسبانية، حيث كانت من المؤون المفضلة للبحارة خلال رحلهم الطويلة بين آسيا والقارة الأمريكية الجديدة، ومن المكسيك انتقلت إلى هاواي حيث سُجلت زراعة أول شجرة تمر هندي في عام (1797).


وتزرع أشجار التمر الهندي اليوم؛ على جوانب الطرق في ولاية فلوريدا الأمريكية لظلها الوارف وخضرتها الدائمة، كما استقدمت وحدة الزراعة وبحوث البستنة في ولاية ميامي نوعاً جديداً من أشجار التمر الهندي المعروف بحلاوته من (تايلاند) عبر السفار ة الأمريكية هناك، لقدرة هذا النوع من التمر الهندي المعروف باسم (مانيلا الحلوة) على مقاومة الملوحة في التربة وإمكانية زراعتها بالقرب من الشواطئ.


فوائد ومحتويات التمر الهندي من الفيتامينات والمعادن
وفقا لقاعدة البيانات في وزارة الزراعة والغذاء الأميركية فإن كل (100) غرام من التمر الهندي يحتوي على القيم الغذائية التالية:


الدهون بنسبة (1٪)، نسبة الصوديوم (1٪)، والكربوهيدرات (21٪)، أما الألياف بنسبة (20٪)، والبروتين (6٪)، كذلك فيتامين (أ) (1٪)، فيتامين (C) بنسبة (6٪)، فيتامين (K) (3٪)، ونسبة الثيامين (29٪)، ريبوفلافين (Riboflavin) أو فيتامين ب 2 (9٪)، النياسين (Niacin) أو فيتامين ب 3 بنسبة(10٪)، كما أن نسبة فيتامين (B6) في كل 100 غرام من التمر الهندي هي (3٪)، حمض الفوليك (3٪)، الكالسيوم (7٪)، الحديد (16٪)، المغنيزيوم (23٪)، الفوسفور (11٪)، البوتاسيوم (18٪)، النحاس (4٪)، أخيراً نسبة السيلينيوم (2٪ ).


مما سبق نلاحظ غنى هذه الثمرة مما يفسر انتشارها عبر القارات، والاعتماد عليها في تحضير الطعام وصنع الحلويات أو حتى المشروبات لدى الكثير من الشعوب، فهي كانت الغذاء الكامل للمسافرين، والشراب الذي يروي عطش الصائمين، كما كانت دواء القدامى لذويهم المرضى، فالتمر الهندي ليس مجرد شجرة تروى عنها الأقاصيص والأخبار.


الاستخدامات الغذائية للتمر الهندي


استخداماته كثيرة تبدأ بتناول الثمرة طازجة، ولا تنتهي بوصفات وطرق مختلفة في استخدام الأصناف المختلفة منها في طهي الطعام:


التمر الهندي كطعام: حيث تستخدم قرونه الحامضة جداً كنوع من البهار مع الأرز والسمك واللحوم في الهند، كما يمكن استخدام زهوره في الطهي كنوع من الخضار إلى جانب الكاري في كل من زيمبابوي والهند أيضاً، حيث تضاف أوراقه وزهوره إلى الحساء.
التمر هندي كمشروب: كما يعتبر التمر الهندي المشروب الشعبي في الدول الإسلامية خلال شهر رمضان إلى جانب شراب (العرق سوس)، ويُباع كشراب غازي في غواتيمالا والمكسيك، وبورتوريكو وغيرها.
استخدام التمر الهندي في الصناعة: أما لب ثمرة التمر الهندي فتستخدم في غرب أفريقيا كنوع من الصباغ لتلوين جلود الماعز، أو كمادة لتنظيف أواني الفضة والنحاس الأصفر بعد خلطها بمياه البحر، ومؤخراً تم اعتماد مسحوق مصنوع من حبات التمر الهندي في صناعة المنسوجات الهندية. 
يذكر أنه تم تصنيف زهور أشجار التمر الهندي كمصدر جيد للرحيق؛ الذي يصنع النحل منه العسل في جنوب الهند، حيث يصنع النحل من رحيقها العسل الذهبي والأصفر اللون والحامض قليلاً في نكهته.


دراسات اليوم تؤكد معتقدات الماضي حول فوائد التمر الهندي
أهم ما يتم ملاحظته في الدراسات التي أجريت على ثمار التمر الهندي أنها أكدت معظم المعتقدات القديمة حول هذه الثمار، ويبدو أن قدماء ذلك العصر كانوا بمثابة مستبصرين للمستقبل حيث عرفوا فوائد الكثير من النباتات والثمار كالتمر الهندي وغيره دون وجود أدوات وتحاليل أو تجارب تساعدهم للتحقق من ذلك، وتالياً سنستعرض لكم أهم الأبحاث التي كشفت أو بالأحرى أكدت الفوائد المعروفة عن التمر الهندي:


توضح دراسة نشرت في مجلة الطب الطبيعي لعام (2012)، آثار التمر الهندي كمكافح للسمنة عن طريق تجربة على فئران تعاني من سمنة مفرطة، حيث أظهرت الدراسة دور التمر في إجراء تغييرات على  المادة الدهنية وتعزيز كفاءة مضادات الأكسدة.
كما وجدت دراسة أخرى في نفس العام نشرتها مجلة (Remarkably) العلمية العالمية أن بذور التمر الهندي بمثابة عامل طبيعي مقاوم للسرطان عن طريق دوره في الحد من الخلايا السرطانية البشرية وحجم الأورام.
ونشرت دراسة (2010) في مجلة (Science) للصناعات الدوائية تؤكد فعالية الاستخدام التقليدي لأوراق أشجار التمر الهندي كمضاد للالتهابات، ومسكن للألم.
وتظهر دراسة نشرت في مجلة علوم الصيدلة، الأنشطة القوية لبذور التمر الهندي كمضادة للقرحة؛ عبر تنظيم العصارات المعدية والحد من الحموضة في إفرازات المعدة.
من جهة أخرى أشار التقرير الصادر عن مركز ساوثمبتون لعام (2006) حول المحاصيل غير المستغلة، والعصائر المصنوعة من التمر الهندي إلى فاعلية هذه البذور القوية باعتبارها مضاد طبيعي لمرض السكري عند إجراء اختبار على فئران.
كما بينت دراسة  عام 2008 نشرت في المجلة الآسيوية للكيمياء الحيوية وأجريت على لب التمر الهندي، بينت نشاطه المضاد للجراثيم عند اختباره ضد سلالات (إيجابية الغرام وبكتيريا سلبية الغرام) مثل: المكورات العنقودية والذهبية، كولاي، والزائفة الزنجارية، مما يؤكد العديد من استخدامات التمر الهندي في العلاجات التقليدية القديمة.
خرافات وأساطير عن التمر الهندي واستخداماته الغريبة
استخدم كثير من القدماء ثمار التمر الهندي بحكمة وذكاء، لكن هذا لا يعني خلو بعض تلك الاستخدامات من ضروب السحر والخرافات:


في جنوب الهند كانت بعض النساء يخلطن كمية من التمر الهندي مع جوز الهند ليضعوها في فم الرضيع فور ولادته، اعتقاداً منهم بأنها ستجعل منه إنساناً حكيماً مع مرور الزمان.
أما للدواجن فكانوا ينقعون الذرة بالمياه مع أوراق شجرة التمر الهندي؛ لتساعد تلك الطيور في العودة إلى قنها (بيت الدجاج) في حال تعرضت للسرقة أو تاهت عن الطريق.
أما قصتنا الأخيرة؛ فهي من أساطير الهندوس.. حيث كانوا يعمدون إلى تزويج أشجار التمر الهندي من أشجار المانجو قبل تناول الأخيرة لمباركتها، إذ كان التمر الهندي يعتبر من الأشجار المقدسة، التي يجب الحصول على مباركتها قبل تناول ثمار الأشجار القريبة منها.
في نهاية المقال.. رغم أن التمر الهندي يحمل اسماً معناه (تاريخ الهند) التي تعتبر المنتج الأكبر له، إلا أن المنشأ الأصلي لهذه الثمار هو القارة الإفريقية، إذ أن هنالك الكثير من القصص والأساطير التي نُسجت حول هذه الأشجار وقدرتها الروحية والطبية، كما أن هنالك دراسات أثبتت بعض العلاجات التقليدية التي استخدم فيها التمر الهندي المعروف بطعمه الحلو والحامض، كمكافح طبيعي للسكري وبعض أنواع السرطان، إلى جانب دوره كمضاد حيوي في القضاء على بعض أنواع الجراثيم والبكتيريا.