الڛـﻶم ڠلـيګم ۋرحمة الله وبـرڪاته
رمڞان ڪريم وڪل ڠام وانتم بڂير
أحـﯦﯦتُ اليوم أن أضع موڞوعي هذا 
الذي أتمنى من الله عز وجل أن يكتبھ، 
في ميزان حسناتنا جميعاً
اڷقرآن الكريم ڷم ينزل إڷا بـاڷغة العربية
فسبحان الله جل وعلا


....


قال ابن عقيل : فصل في أسئلتهم وقد تكلفوا غاية التكليف وتعسفوا غاية التعسيف في بيان أنه حقيقة . 


. فمن ذلك قولهم : إن القرية هي مجتمع الناس ; مأخوذ من قريت الماء في الحوض ; وما قرأت الناقة في رحمها فالضيافة مقرئ 


ومقر لاجتماع الأضياف عندهم وسمي القرآن والقراءة لذلك لكونه مجموع كلام فكذلك حقيقة الاجتماع إنما هو للناس دون الجدران


فما أراد إلا مجمع الناس وهو في نفسه حقيقة القرية يوضح ذلك قوله تعالى { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا } وقوله تعالى 


{وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله } وهذا يرجع إلى المجتمع إلى الناس دون الجدران والعير اسم للقافلة . 


قالوا : والأبنية والحمير إذا أراد الله نطقها أنطقها وزمن النبوات وقت لخوارق العادات . ولو سألها لأجابته عن حاله معجزة له وكرامة 


[ ص: 476 ] وقوله تعالى { ذلك عيسى ابن مريم قول الحق } إنما أشار بقوله : { قول الحق } 


إلى اسمه ونسبته إلى أمه وذلك حقيقة قول الله . 


وقد قال صاحبكم أحمد : الله هو الله يعني :
الاسم هو المسمى . وقوله تعالى { وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم } فإنه لما نسف بعد أن برد في البحر وشربوا من الماء كان ذلك


حقيقة ذلك العجل فلا شيء مما ذكرتم إلا وهو حقيقة . 


قال ابن عقيل : فيقال : للقرية ما جمعت واجتمع فيها لا نفس المجتمع ; فلهذا سمي القرء والأقراء لزمان الحيض أو زمان الطهر 


والتصرية والمصراة والصراة اسم مجمع اللبن والماء ; لا لنفس اللبن والماء المجتمع والقاري . الجامع للقري والمقري الجامع للأضياف 


فأما نفس الأضياف فلا والقافلة لا تسمى عيرا إن لم تكن ذات بهائم مخصوصة ; فإن المشاة والرجال لا تسمى عيرا 
فلو كان اسما لمجرد القافلة لكان يقع على الرجال كما يقع على أرباب الدواب ; فبطل ما قالوه . 


وقولهم : لو سأل لأجاب الجدار : فمثل ذلك لا يقع بحسب الاختيار ولا يكون معتمدا على وقوعه إلا عند التحدي به فإما أن يقع بالهاجس 
وعموم الأوقات فلا . [ ص: 477 ] وقوله : { ذلك عيسى } يرجع إلى الاسم : فإنهم إذا حملوه على هذا كان مجازا 
; لأن القول الذي هو الاسم ليس بمضاف إليه ; ولذا نقول
: { ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه } 
والاسم الذي هو القول ليس بابن مريم وإنما ابن مريم نفس الجسم والروح الذي يقع عليهما الاسم 
الذي ظهرت على يديه الآيات الخارقة التي جعلوه لأجل ظهورها إلها . 


وقولهم : المراد نفس ذات العجل لما نسفه : فإذا نسف خرج عن أن يكون عجلا : 
بل العجل حقيقة الصورة المخصوصة التي خارت وإلا برادة الذهب لا تصل إلا القلوب وغاية ما تصل إلى الأجواف : فإما أن يسبقها الطبع 
فيحيلها إلى أن تصل إلى القلب فليس كذلك بل سحالة الذهب إذا حصلت في المعدة رسبت 
بحيث لا ترتقي إلى غير محلها فضلا عن أن تصل إلى القلب ; ولأن قول العرب : أشربوا : لا يرجع إلى الشرب 
إنما يرجع إلى الأسباب وهو : الإيساغ وذلك يرجع إلى الحب لا إلى الذوات التي هي الأجسام ; ولهذا لا يقال : أشربوا في قلوبهم الماء 
إذ هو مشروب فكيف يقال في العجل على أن إضافته نفسه إلى القلب إضافة له إلى محل الحب ؟ وقد ورد في الخبر أنهم كانوا يقولون 
في سحالته إذا تناولوها : هذا أحب إلينا من موسى ومن إله موسى ; لما نالهم من محبته في قلوبهم . 


[ ص: 478 ] قلت : أما ما ذكروه من القرية ; فالقرية والنهر ونحو ذلك اسم للحال والمحل فهو اسم يتناول المساكن وسكانها 
ثم الحكم قد يعود إلى الساكن ; وقد يعود إلى المساكن ; وقد يعود إليهما كاسم الإنسان ; فإنه اسم للروح والجسد ; 
وقد يعود الحكم على أحدهما كذلك الكلام اسم للفظ والمعنى وقد يعود الحكم إلى أحدهما . 


وأما الاشتقاق فهذا الموضع غلط فيه طائفة من العلماء لم يفرقوا بين قرأ بالهمزة وقرى يقري بالياء ; 
فإن الذي بمعنى الجمع هو قرى يقري بلا همزة ومنه القرية والقراءة ونحو ذلك ومنه قريت الضيف أقريه


أي :جمعته وضممته إليك وقريت الماء في الحوض جمعته وتقريت المياه :
تتبعتها وقروت البلاد وقريتها واستقريتها إذا تتبعتها تخرج من بلد إلى بلد 
ومنه الاستقراء ; 


وهو : تتبع الشيء أجمعه وهذا غير قولك :
استقرأته القرآن ; فإن ذاك من المهموز فالقرية هي المكان الذي يجتمع فيه الناس والحكم يعود إلى هذا تارة وإلى هذا أخرى . 


وأما قرأ بالهمز فمعناه الإظهار والبيان والقرء والقراءة من هذا الباب ومنه قولهم : ما قرأت الناقة سلا جزور قط ; 


أي : ما أظهرته وأخرجته من رحمها والقاري : هو الذي يظهر القرآن ويخرجه قال تعالى : { إن علينا جمعه وقرآنه } 


ففرق بين الجمع والقرآن [ ص: 479 ] والقرء : هو الدم لظهوره وخروجه وكذلك الوقت ; فإن التوقيت إنما يكون بالأمر الظاهر . 


ثم الطهر يدخل في اسم القرء تبعا كما يدخل الليل في اسم اليوم { قال النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة :


" دعي الصلاة أيام أقرائك } 
والطهر الذي يتعقبه حيض هو قرء فالقرء اسم للجميع . وأما الطهر المجرد فلا يسمى قرءا ; 
ولهذا إذا طلقت في أثناء حيضة لم تعتد بذلك قرءا ; لأن عليها أن تعتد بثلاثة قروء 


وإذا طلقت في أثناء طهر كان القرء الحيضة مع ما تقدمها من الطهر ; ولهذا كان أكابر الصحابة على أن الأقراء الحيض 
كعمر وعثمان وعلي وأبي موسى وغيرهم ;


لأنها مأمورة بتربص ثلاثة قروء ; فلو كان القرء هو الطهر لكانت العدة قرأين وبعض الثالث فإن النزاع من الطائفتين في الحيضة الثالثة ;


فإن أكابر الصحابة ومن وافقهم يقولون : هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة 
وصغار الصحابة إذا طعنت في الحيضة الثالثة فقد حلت فقد ثبت بالنص والإجماع أن السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع


وقد مضى بعض الطهر والله أمر أن يطلق لاستقبال العدة لا في أثناء العدة وقوله : { ثلاثة قروء } عدد ليس هو كقوله : 
أشهر ; فإن ذاك صيغة جمع لا عدد فلا بد من ثلاثة قروء 
كما أمر الله لا يكفي بعض الثالث . 


[ ص: 480 ] وأما قولك : { ذلك عيسى ابن مريم قول الحق } ففيه قراءتان مشهورتان : الرفع والنصب وعلى القراءتين قد قيل : 


إن المراد بقول الحق : عيسى ; كما سمي كلمة الله . وقيل : بل المراد هذا الذي ذكرناه قول الحق ; فيكون خبر مبتدأ محذوف 
وهذا له نظائر ; 


كقوله: { سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم } الآية { وقل الحق من ربكم } 
أي : هذا الحق من ربكم وإن أريد به عيسى 
فتسميته قول الحق كتسميته كلمة الله وعلى هذا فيكون خبرا وبدلا . 
وعلى كل قول فله نظائر فالقول في تسميته مجازا كالقول في نظائره . 


والأظهر أن المراد به أن هذا القول الذي ذكرناه عن عيسى ابن مريم قول الحق إلا أنه ابن عبد الله يدخل في هذا .


ومن قال : المراد بالحق الله ; والمراد قول الله :
فهو وإن كان معنى صحيحا فعادة القرآن إذا أضيف القول إلى الله أن يقال : قول الله لا يقال : 


قول الحق إلا إذا كان المراد القول الحق كما في قوله :
{ قوله الحق } وقوله : { والله يقول الحق } وقوله : { فالحق والحق أقول } 


ثم مثل هذا إذا أضيف فيه الموصوف إلى الصفة كقوله
: { وحب الحصيد } وقولهم : صلاة الأولى ودار الآخرة هو عند كثير من [ ص: 481 ] نحاة الكوفة وغيرهم إضافة الموصوف إلى صفته بلا حذف


وعند كثير من نحاة البصرة أن المضاف إليه محذوف تقديره : صلاة الساعة الأولى والأول أصح ليس في اللفظ ما يدل على المحذوف 


ولا يخطر بالبال وقد جاء في غير موضع كقوله
: { الدار الآخرة } وقال : { قوله الحق } . 


وبالجملة فنظائر هذا في القرآن وكلام العرب كثير وليس في هذا حجة لمن سمى ذلك مجازا 
إلا كحجته في نظائره فيرجع في ذلك إلى الأصل . 




قال ابن عقيل : ومن أدلتنا قوله تعالى { بلسان عربي مبين } وإذا ثبت أنه عربي فلغة العرب
مشتملة على الاستعارة والمجاز وهي بعض طرق البيان والفصاحة فلو أخل بذلك لما تمت أقسام الكلام وفصاحته على التمام والكمال 


وإنما يبين تعجيز القوم إذا طال وجمع من استعارتهم وأمثالهم وصفاتهم ولا نص بجواز الألفاظ إلا إذا طالت ; ولهذا لا يحصل التحدي 


بمثل بيت ولا بالآية والآيتين ولهذا جعل حكم القليل منه غير محترم احترام الطويل فسوغ الشرع للجنب والحائض تلاوته كل ذلك لأنه 
لا إعجاز فيه فإذا أتى بالمجاز والحقيقة وسائر ضروب الكلام وأقسامه ففاق كلامه الجامع المشتمل على تلك الأقسام : 
كان الإعجاز ; وظهر التعجيز لهم فهذا يوجب أن يكون في القرآن مجاز . 


[ ص: 482 ] قلت : ما ذكره من أن السورة القصيرة لا إعجاز فيها مما ينازعه أكثر العلماء ويقولون 
: بل السورة معجزة بل ونازعه بعض الأصحاب في الآية والآيتين قال أبو بكر ابن العماد - شيخ جدي أبي البركات


- : قوله إنما جاز للجنب قراءة اليسير من القرآن 
لأنه لا إعجاز فيه : ما أراه صحيحا ; لأن الكل محترم وإنما ساغ للجنب قراءة بعض الآية 
توسعة على المكلف ونظرا في تحصيل المثوبة والحرج 
مع قيام الحرمة كما سوغ له الصلاة مع يسير الدم مع نجاسته . 


قلت : وأما قوله : إن القرآن نزل بلغة العرب : فحق بل بلسان قريش كما قال تعالى 
: { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } 


وقال عمر وعثمان : إن هذا القرآن نزل بلغة هذا الحي من قريش وحينئذ فمن قال 
: إن الألفاظ التي فيه ليست مجازا ونظيرها من كلام العرب
مجاز فقد تناقض


لكن الأصحاب الذين قالوا : ليس في القرآن مجاز لم يعرف عنهم أنهم اعترفوا بأن في لغة العرب مجازا ; فلا يلزمهم التناقض . 


وأيضا فقول القائل : إن في لغة العرب مجازا غير ما يوجد نظيره في القرآن ; 
فإن كلام المخلوقين فيه من المبالغة والمجازفة من المدح والهجو والمرائي
وغير ذلك ما يصان عنه كلام الحكيم ; فضلا عن كلام الله : 


فإذا كان المسمي لا يسمي مجازا إلا ما كان كذلك لم يلزمه أن يسمي [ ص: 483 ] ما في القرآن مجازا
وهذا لأن تسمية بعض الكلام مجازا 
إنما هو أمر اصطلاحي ليس أمرا شرعيا ولا لغويا ولا عقليا . 


ولهذا كان بعضهم يسمي بالمجاز ما استعمل فيما هو مباين لمسماه وما استعمل بعض مسماه 
لا يسميه مجازا فلا يسمون استعمال العام في بعض معناه مجازا ولا الأمر إذا أريد به الندب
مجازا وهو اصطلاح أكثر الفقهاء . وقد لا يقولون :
إن ذلك استعمال
في غير ما وضع له بناء على أن بعض الجملة لا يسمى غيرا عند الإطلاق فلا يقال


: الواحد من العشرة أنه غيرها ولا ليد الإنسان 
أنها غيره ولأن المجاز عندهم ما احتيج إلى القرينة في إثبات المراد إلا في دفع ما لم يرد 
والقرينة في الأمر تخرج بعض ما دل عليه اللفظ 


وتبقي الباقي مدلولا عليه اللفظ بخلاف القرينة في الأسد فإنها تبين أن المراد لا يدخل في لفظ الأسد عند الإطلاق . 


وإذا كان اصطلاح أكثر الفقهاء التفريق بين الحقيقة والمجاز وآخرون اصطلحوا على أنه متى لم 
يرد باللفظ جميع معناه فهو مجاز عندهم
ثم هؤلاء أكثرهم يفرقون بين القرينة المنفصلة أو المستقلة ; وبين ما تأصلت باللفظ ;


أو كانت من لفظه ; أو لم تستقل ; 
فلم يجعلوا ذلك مجازا لئلا يلزم أن يكون عامة 
الكلام مجازا حتى يكون قوله : لا إله إلا الله : مجازا مع العلم بأن المشركين
لم يكونوا ينازعون [ ص: 484 ] في أن الله إله حق وإنما كانوا يجعلون معه آلهة أخرى فكان النزاع بين الرسول وبينهم 
في نفي الإلهية عما سوى الله حقيقة إذ لم يستعمل في غير ما وضع له وأن الموضوع الأصل هو النفي وهو نفي الإله مطلقا 


فهذا المعنى لم يعتقده أحد من العرب بل ولا لهم قصد في التعبير عنه ولا وضعوا له لفظا بالقصد الأول 
إذ كان التعبير هو عما يتصور من المعاني 
وهذا المعنى لم يتصوروه إلا نافين له يتصوروه مثبتين له ونفي النفي إثبات . 


فمن قال : إن هذا اللفظ قصدوا به في لغتهم كان أن يبعث الرسول لنفي كل إله وأن هذا هو موضوع اللفظ الذي قصدوه به أولا وقولهم 
: لا إله إلا الله :
استعمال لذلك اللفظ في غير المعنى الذي كان موضوع اللفظ عندهم : فكذبه ظاهر عليهم في حال الشرك فكيف في حال الإيمان ؟ . 


ولا ريب أن جميع التخصيصات المتصلة كالصفة ; والشرط ; والغاية ; والبدل ; والاستثناء : هو بهذه المنزلة
لكن أكثر الألفاظ قد استعملوها تارة مجردة عن هذه التخصيصات وتارة مقرونة بها بخلاف قول
:لا إله إلا الله ; فإنهم لم يعرفوا قط عنهم أنهم استعملوها 
مجردة عن الاستثناء


إذ كان هذا المعنى باطلا عندهم فمن جعل هذا حقيقة في لغتهم ظهر كذبه عليهم وإن فرق بين استثناء واستثناء تناقض وخالف الإجماع 


; وذلك [ ص: 485 ] لأنه بني على أصل فاسد متناقض والقول المتناقض إذا طرده صاحبه وألزم صاحبه لوازمه ظهر من فساده وقبحه 
ما لم يكن ظاهرا قبل ذلك وإن لم يطرده تناقض وظهر فساده فيلزم فساده على التقديرين . 


ولهذا لا يوجد للقائلين بالمجاز قول ألبتة بل كل أقوالهم متناقضة وحدودهم والعلامات 
التي ذكروها فاسدة ; إذ كان أصل قولهم باطلا فابتدعوا في اللغة تقسيما وتعبيرا لا حقيقة له في الخارج 


بل هو باطل فلا يمكن أن يتصور تصورا مطابقا ولا يعبر عنه بعبارة سديدة ; بخلاف المعنى المستقيم فإنه يعبر عنه بالقول السديد كما


قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا} 
والسديد : الساد الصواب المطابق للحق من غير زيادة ولا نقصان وهو العدل والصدق بخلاف من أراد أن يفرق بين المتماثلين


ويجعلهما مختلفين ; بل متضادين ; فإن قوله ليس بسديد . وهذا يبسط في موضعه . 


والمقصود هنا : أن الذين يقولون : ليس في القرآن مجاز أرادوا بذلك أن قوله : { واسأل القرية } اسأل الجدران ;والعير البهائم ونحو ذلك 


مما نقل عنهم فقد أخطئوا . وإن جعلوا اللفظ المستعمل في معنى في غير القرآن مجازا وفيه ليس بمجاز فقد أخطئوا أيضا . 


وإن قصدوا أن في غير القرآن من المبالغات والمجازفات والألفاظ التي لا يحتاج إليها ونحو ذلك مما ينزه القرآن عنه فقد أصابوا في ذلك . 


وإذا قالوا : [ ص: 486 ] نحن نسمي تلك الأمور مجازا بخلاف ما استعمل في القرآن ونحوه من كلام العرب : 
فهذا اصطلاح هم فيه أقرب إلى الصواب ممن جعل أكثر كلام العرب مجازا كما يحكى عن ابن جني أنه قال :


قول القائل : خرج زيد : مجاز ; لأن الفعل يدل على المصدر والمصدر المعرف باللام يستوعب جميع أفراد الخروج 
فيقتضي ذلك أن زيدا حصل منه جميع أنواع الخروج ;هذا حقيقة اللفظ : فإن أريد فرد من أفراد الخروج فهو مجاز . 


فهذا الكلام لا يقوله من يتصور ما يقول وابن جني له فضيلة وذكاء ; وغوص على المعاني الدقيقة في سر الصناعة والخصائص 
وإعراب القرآن وغير ذلك ; فهذا الكلام إن كان لم يقله فهو أشبه بفضيلته وإذا قاله فالفاضل قد يقول ما لا يقوله إلا من هو من أجهل الناس ; 


وذلك أن الفعل إنما يدل على مسمى المصدر وهو الحقيقة المطلقة من غير أن يكون مقيدا بقيد العموم بل ولا بقيد آخر . 


فإذا قيل : خرج زيد ; وقام بكر ; ونحو ذلك : فالفعل دل على أنه وجد منه مسمى خروج ; ومسمى قيام ; من غير أن يدل اللفظ 
على نوع ذلك الخروج والقيام ولا على قدره بل هو صالح لذلك على سبيل البدل لا على سبيل الجمع كقوله : { فتحرير رقبة }


فإنه أوجب رقبة واحدة ; لم يوجب كل رقبة ; وهي تتناول جميع [ ص: 487 ] الرقاب على سبيل البدل فأي رقبة أعتقها أجزأته . 


كذلك إذا قيل خرج دل على وجود خروج ثم قد يكون قليلا ; وقد يكون كثيرا وقد يكون راكبا ; وقد يكون ماشيا ;


ومع هذا فلا يتناول على سبيل البدل إلا خروج يمكن من زيد . 


وإما أن هذا اللفظ يقتضي عموم كل ما يسمى خروج في الوجود لا على سبيل الجمع فهذا لا يقوله القائل إلا إذا فسد تصوره 
وكان إلى الحيوان أقرب والظن بابن جني أنه لا يقول هذا . 


ثم هذا المعنى موجود في سائر اللغات فهل يقول عاقل : إن أهل اللغات جميعهم الذين يتكلمون بالجمل الفعلية التي لا بد منهما 
في كل أمة إنما وضعوا تلك الجملة الفعلية على جميع أنواع ذلك الفعل الموجود في العالم وأن استعمال ذلك في بعض الأفراد 


عدول باللفظ عما وضع له ؟ ولكن هذا مما يدل على فساد أصل القول بالمجاز إذا أفضى إلى أن يقال : في الوجود مثل هذا الهذيان 
ويجعل ذلك مسألة نزاع توضع في أصول الفقه . 


فمن قال من نفاة المجاز في القرآن : إنا لا نسمي ما كان في القرآن ونحوه من كلام العرب مجازا وإنما نسمي مجازا


ما خرج عن ميزان العدل
مثل ما يوجد في كلام الشعراء من المبالغة في المدح والهجو [ ص: 488 ] والمراثي والحماسة 
: فمعلوم أنه إن كان الفرق بين الحقيقة والمجاز اصطلاحا صحيحا فهذا الاصطلاح أولى بالقبول ممن يجعل أكثر الكلام مجازا 
بل وممن يجعل التخصيص المتصل كله مجازا ;فيجعل من المجاز قوله : 


{ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } وقوله : { فتيمموا صعيدا طيبا } وقوله : { فتحرير رقبة مؤمنة
} وقوله : { فصيام شهرين متتابعين } وقوله : { فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } 


وقوله
: { والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان } " 
وقوله : { فويل للمصلين } { الذين هم عن صلاتهم ساهون } وقوله : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون } إلى قوله 


: { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } وقوله : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وقوله : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى }


وقوله : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } وقوله : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد } 


وقوله : { فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم }
وقوله : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقوله : { إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم }
وقوله
: { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } وقوله : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا }


وقوله : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } وقوله : { فاعبد الله مخلصا له الدين } 
وقوله : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } 


وقوله : { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } وقوله : { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } وقوله
: { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } 
وقوله : { ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن } وقوله : { فشربوا منه إلا قليلا منهم } وقوله
: { ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم }


وقوله : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } وأمثال هذا مما لا يعد إلا بكلفة . 


فمن جعل هذا كله مجازا وأن العرب تستعمل هذا كله وما أشبهه في غير ما وضع اللفظ له أولا : فقوله معلوم الفساد بالضرورة 
ولزمه أن يكون أكثر الكلام مجازا ; إذ كان هذا يلزمه في كل لفظ مطلق قيد بقيد والكلام جملتان :


اسمية وفعلية والاسمية أصلها المبتدأ والخبر ; فيلزم إذا وصف المبتدأ والخبر أو استثني منه أو قيد بحال كان مجازا .


ويلزمه إذا دخل عليه كان وأخواتها وإن وأخواتها وظننت وأخواتها فغيرت معناه وإعرابه أن يصير مجازا : فإن دخول القيد عليه تارة يكون 
في أول الكلام ; وتارة في وسطه : وتارة في آخره [ ص: 490 ] لا سيما باب ظننت ; فإنهم يقولون : زيد منطلق وزيدا منطلقا ظننت ; 


ولهذا عند التقديم يجب الإعمال وفي التوسط يجوز الإلغاء ; وفي التأخر يحسن مع جواز الإعمال ; فإنه إذا قدم المفعول ضعف العمل ;


ولهذا يقوونه بدخول حرف الجر ; كما يقوونه في اسم الفاعل لكونه أضعف من الفعل كقوله : { لربهم يرهبون } 
وقوله : { إن كنتم للرؤيا تعبرون } وقوله : { وإنهم لنا لغائظون } . 


ويلزمه في الجملة الفعلية إذا قيدت بمصدر موصوف أو معدود أو نوع من المصدر أن يكون مجازا كقوله : {فاجلدوهم ثمانين جلدة } 
وقوله : { وينصرك الله نصرا عزيزا } وكذلك ظرف المكان والزمان وكذلك سائر ما يقيد به الفعل من حروف الجر


كقوله : { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } وقوله : { على هدى من ربهم } 
وقوله : { وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم } وقوله : { والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق } . 






ومما ينبغي أن يعرف أن ابن عقيل مع مبالغته هنا في الرد على من يقول : ليس في القرآن مجاز : فهو في موضع آخر 


ينصر أنه ليس في اللغة مجاز ; لا في القرآن ولا غيره وذكر ذلك في مناظرة جرت [ ص: 491 ] له مع بعض أصحابه الحنبليين
الذين قالوا بالمجاز فقال في فنونه 
: جرت مسألة هل في اللغة مجاز ؟ فاستدل حنبلي أن فيها مجازا بأنا وجدنا أن من الأسماء
ما يحصل نفيه وهو تسمية الرجل المقدام أسدا ; والعالم والكريم الواسع العطاء والجود بحرا . فنقول فيه :


ليس ببحر ولا بأسد ولا يحسن أن نقول في السبع المخصوص والبحر ليس بأسد ولا بحر فعلم أن الذي حسن نفي الاسم عنه 
أنه مستعار كما نقول في المستعير لمال غيره : ليس بمالك له ولا يحسن أن نقول في المالك ليس بمالك له . 


قال : اعترض عليه معترض أصولي حنبلي فقال : الذي عولت عليه لا أسلمه ولا تعويل على الصورة بل على المخصصة ;


فإن قولنا : حيوان : يشمل السبع والإنسان فإذا قلنا : سبع وأسد : كان هذا لما فيه من الإقدام والهواش
والتفخم للصيال وذلك موجود في صورة الإنسان وصورة السبع والاتفاق واقع في الحقيقة ; كسواد الحبر وسواد القار جميعاً 


لا يختلفان في اسم السواد بالمعنى وهي الحقيقة التي هي هبة تجمع البصر اتساع الحدقة فكذلك اتساع الجود والعلم واتساع الماء
جميعا يجمعه الاتساع فيسمى كل واحد منهما بحرا للمعنى الذي جمعهما وهو حقيقة الاتساع ; ولأنه لا يجوز أن يدعي الاستعارة لأ
حدهما إلا إذا ثبت سبق التسمية لأحدهما ; ولا سيما على أصل من يقول : إن الكلام [ ص: 492 ] قديم ; والقديم لا يسبق بعضه بعضاٺ 
; فإن السابق والمسبوق من صفات بعضه الحادث من الزمان . 


قلت : فقد جعل هذا اللفظ متواطئا دالا على القدر المشترك كسائر الأسماء المتواطئة ولكنه يختص في كل موضع
بقدر متميز لما امتاز به من القرينة كما في ما مثله به من السواد وهذا بعينه . يرد عليه فيما 
تج به للمجاز . 


الێ ھنا نصل الى نهاية المۇضوع 
أتمنى أنني قد وفقٺ في نقله
لأسٺفيد ونسٺفيد معاً.
بالتوفيق للجميع.