لأن العمل الاستخباري من أشق الأعمال لما ينطوي عليها من مخاطر وما يؤول إليها من نتائج ذلك يحتاج من القائمين على جهاز المخابرات ليكونوا على قدر كبير من الكفاءة ويحسنون الاختيار السليم للعاملين في المخابرات.
ونظراً لارتفاع مستوى التحديات وطبيعة الصراع الذي ساد العصر الأموي- على سبيل المثال- فقد كان هناك عدد من الأهداف تحتاج لمن ينجزها بهدوء دون أي اضطراب أو فزع فكان ذلك على عاتق رجال المخابرات والأمن الذين هم في حاجة للكثير للقيام بأدوار مختلفة لتحقيق الأهداف المعدة مسبقاً وفق الخطة المدروسة.
في العصر الأموي يلاحظ أن هناك نقلة نوعية في عمل رجال المخابرات والأمن مقارنة بالمخابرات التي سبقتها حيث كان لهم صفات معينة يستطيعوا من خلالها تحمل المسئولية وتأديتها بنجاح ومن أهمها أن يكون متوفر في رجل الأمن والمخابرات صفات الــدهاء والمراوغة، التخفي ..
ولأن يكون رجل المخابرات السري رجل كثير الدهاء والمراوغة لكي يتوصل بدهائه إلى كل موصل ويدخل بمكره ومراوغته كل مدخل وذلك من خلا ل استخدام أقصى طاقات العقل البشري وذلك بالطبع وفق ما شرع الله لنا به.
فلا بد من استخدام الدهاء والمراوغة والمخادعة لكي يضلل عيون الأعداء مثل ما حدث مع القائد الجراح بن عبد الله الحكمي في عهد الخليفة يزيد بن عبد الملك ت 105هــ، عند إزماع القائد الجراح بن عبد الحكمي السير لمحاربة الخزر سمع عن طريق عيونه وجواسيسه بأن معه عيوناً متخفية في صفوف جنده قد كاتبوا ملك الخزر بخبر مسيره إليه ، فبحنكة من القائد وعون عيونه وجواسيسه أمر ينادي في العسكر بأنه مقيم عدة أيام ، وطلب منهم أن يستكثروا من الميرة والعلف ، فكتب عيون العدو إلى ملك الخزر بهذا فاطمئن ملك الخزر بذلك ، ثم لما كان الليل أمر القائد الجراح بن عبد الله الحكمي بالرحيل نحو العدو ، فباغتهم وتمكن من التغلب عليهم.
ومن الضروري أن يتصف الجاسوس أو العين بالقدرة على التقليد والتمثيل ومهارة التخفي بحيث يحصل على ما يريد دون أن يلحظه احد أو يشعر بما قام به وعليه أن يلبس حالات مختلفة وانفعالات معينة تصاحب لهذه الحالات الأمر الذي يساعده على القدرة على التخفي والتمثيل .
وعلى رجل المخابرات والأمن أن يكون سريع التحول من حال لآخر ليكون قادراً على مواجهة كل الظروف الواقعة والمحتملة وشرط ذلك أن يواجهها باتزان وثبات خاصة في المواقف الخطرة والمعقدة.
وهذا فقد قام عبد الله بن قيس الجاسي كعين من عيون القائد معاوية بن أبي سفيان أثناء فتح قبرص بانتحال شخصية تاجر في الميناء من أجل التخفي والتستر ، فقد كان في شواطئ قبرص جاسوسة تعمل لصالح الروم، وتنتحل شخصية متسولة على شواطئ قبرص ، حيث عرفت عبد الله بن قيس الجاسي الذي خرج طليعة للمسلمين ، فسألته الصدقة فأعطاها ، فرجعت ودلت عليه ، وقالت إن عبد الله بن قيس في الميناء ، ولم تكن تعرفه، وقيل لها بأي شيء عرفتيه ؟قالت :كان كالتاجر ، فلما سألته أعطاني كالملك فعرفته بهذا.