[rtl]بسم الله الرحمن الرحيم[/rtl]

[rtl]
رأيته حزين في ركن من أركان حجرته وسمعته يقول في حسرة :

آه من ذنوبي .. آه من آثامي ... آه من سقطاتي .. لقد أثقلت كاهلي ودفعتني إلى الهاوية فلا أستطيع العودة فقد تدحرجت وتقلبت فيها ولا أستطيع النهوض ... فكلما أبصرت الحقيقة والطريق الصحيح المستقيم لأنهض وأقوم من هذه الهاوية شدتني آثامي وذنوبي وسقطاتي وقالت لي هيهات ... هيهات من عمل الخيرات ... هيهات ... هيهات من العودة والأوبة وقالت لي لن تستطيع أن تتسلق جبال المعاصي التي اقترفتها والوصول لنهايتها لتفر منها.

وقلت لنفسي لا أستطيع أن أفر من ذنوبي وأتنفس الهواء النقي الخالي من القاذورات والدخان والضباب الأسود لأبصر السماء الصافية واستنشق الهواء العليل وأستريح قليلا من عناء الذل للمعاصي والذنوب والآثام.

فقلت له : تستطيع ... تستطيع.
فتنبه إلي وقال : من أنت ومن أين أتيت ... إنني أحاور وأكلم نفسي الخاطئة.
فقلت له ولكنني أنا نفسك الصالحة وتستطيع أن تكون من أولياء الله الصالحين وليس فقط من التائبين .
قال لي : وكيف ذلك وما الدليل ؟
قلت له : يقول الله تعالى في كتابه الكريم :
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر53
قال لي : ولكنني سويت الأهوال وعملت ما لم يعمله بشر ولا شيطان وكنت ضيفا دائما على كل معصية ... فتجدني في كل ذنب ركناً أساسياً ... فحدث ولا حرج ... ففي عقوق الوالدين أستاذ ومع أسرتي ديوث وفي الزنا رئيس قسم وفي الخيانة متمرس وفي الحسد والحقد قلبي أسود وفي السرقة زي ما بيقولوا (إيدي تتلف في حرير) , وفي القتل كانوا يستعينون بي كقاتل محترف , وفي شرب الخمر كنت أقضي ليلتي كل يوم أعاقر الخمر حتى أكون سكران طينة كما يقولون وفي تجارة المخدرات والهيروين والحشيش فأنا زعيم عصابة ...وفي .. وفي .. وفي ... لا أستطيع أن أسرد عليك أفعالي الشنيعة القبيحة المنتنة ... لقد مللت من القذارة .
فقلت له : هذه بداية مشجعة وبداية لأن تتطهر من بلاويك الكثيرة المتلتلة كما يقولون , فقولك أنك مللت من هذه القذارة هو مربط الفرس لأن تعرف الطريق الصحيح لحياتك.
قال لي : لالالالالا إنك تهزأ بي ...
هل وعيت ما قلته لك وسردته لك وأفصحت عنه لك ... ثم تقول لي هذه بداية الطريق ... لا أنا طريقي معروف .. ولا أستطيع الإفلات والحيد عنه.
قلت له : هذه البداية الصحيحة لك ودليلي هذه الآية القرآنية التي سأعيدها عليك مرة أخرى لعلك لا تعي الخير الكثير الموجود فيها لكل عاصي ولكل فاجر ولكل فاسد .... ولكنني أولاً أسألك سؤالا واحدا .
فقال لي : وماهو؟
قلت له: هل تؤمن بأن لا إله إلا الله وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسوله ونبيه .
فقال لي : نعم إنني مسلم ولكنني لا أعمل بما في هذه الكلمة وبما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأعمل عكس كل ما قاله وعكس كل ما نصح به وعكس كل صحيح ولكنني لا أشرك به أحدا ولا أقول كما يقول النصارى أو أقول كما يقول اليهود أو الهندوس أو كل ملة ودين يضع مع الله تعالى ندا له وشريكاً له يعبده معه تعالي.

فقلت له يقول الله تعالى:
إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً{48}النساء
أي إن الله تعالى لا يغفر ولا يتجاوز عمَّن أشرك به أحدًا من مخلوقاته, أو كفر بأي نوع من أنواع الكفر الأكبر, ويتجاوز ويعفو عمَّا دون الشرك من الذنوب, لمن يشاء من عباده, ومن يشرك بالله غيره فقد اختلق ذنبًا عظيمًا.

وسأعيد عليك ما قاله الله تعالى لمن كان مثلك .. يقول تعالى:
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر53
أي قل -أيها الرسول- لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي, وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تَيْئسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم, إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت, إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده, الرحيم بهم.

وهذا ما قاله الله تعالى أفلا تثق في الله تعالى ؟
قال لي : نعم أثق ولكنني مجرم وآثم ولا أستطيع أن أكون نظيفاً طاهراً.
قلت له: قال الله تعالى في الحديث القدسي : (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ). ‌
فقال لي : الله أكبر ولله الحمد.
فقلت له : وسأزيدك خيراً , فلك في قصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدليل ... فعمر بن الخطاب عمل جميع الذنوب ومنها الزنا وشرب الخمر ووأد البنات وكثير من الآثام مثل ما عملت وأكثر ... ولكن عندما أذن الله له بالإسلام وبتوحيده تعالى كان كيوم ولدته أمه ... أي بلا خطايا ولا ذنوب... وعندما سمع الآية الكريمة :
{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الفرقان70
فقال عمر بن الخطاب لمن حوله .. إنني الآن أكثركم حسنات فقد كنت أكثركم سيئات ولكن الله تعالى قال عني :
(فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) فأنا الآن أكثركم حسنات.
فتهلل وجهه وقال : يعني تقصد إنني عندما أتوب إلى الله تعالى فإن جميع ذنوبي وآثامي وسقطاتي و البلاوي التي اقترفتها تتحول من ذنوب إلى حسنات و من شر
إلى خير ومن آثام وظلام إلى أنوار .
قلت له : نعم .. ألا تؤمن بالقرآن الكريم ؟
فقال : الله أكبر ولله الحمد ... بذلك سأكون أكثركم حسنات وأكثركم خيرات فأنا كما رويت لك حالي وآثامي وسقطاتي وذنوبي التي أثقلت كاهلي كثيرة كثيرة كثيرة .
فقلت له : ولكي توقن وتزداد أمل في الله تعالى أسرد لك هذا الحديث .
فقال لي : زدني خيراً يا صاحب الخير والجود والأمل في الله تعالى.
فقلت له : إن رجلا قتل تسعة وتسعين نفسا ثم عرضت له التوبة فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة قال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله تعالى وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو لها فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة. (صححه الألباني)
فقال لي : ولكنني لم أقتل هذا العدد الكبير ولم أصل إلى شنيع فعل هذا الرجل ... الله الله على رحمة الله تعالى بعباده ... لقد زرعت في قلبي الأمل للتوبة والإنابة لله تعالى .
فقلت يقول الله تعالى:
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً{17} وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً{18}النساء
فهذه فرصتك للتوبة وأنت حي ترزق ولم يحضرك ملك الموت ولم تكن في غرغرتها.
فقال لي : نعم ... نعم هذه فرصتي الآن للتوبة والأوبة لله تعالى .... ولكن ولكن !!!
قلت له : ولكن ماذا !؟
قال : ولكن أخاف أن أضعف أمام نفسي الخبيثة وأعود إلى ما كنت عليه من فسق وذنب وإثم .
قلت له : أقدم على التوبة ولا تفزع من الرجوع للرزيلة والذنوب ....ابدأ والله سيعينك على السير في طريق الاستقامة.
فقال : أخاف من أن أرتد , فنفسي ضعيفة وأنا أعرفها .
قلت له : حتى لو كانت نفسك واهية وضعيفة ورجعت لبعض معاصيك فباب التوبة مفتوح وليس عليه بواب ولك أن ترجع وتؤوب لرشدك مرة ومرات عديدة مالم تغرغر , ولكن هل تأمن الموت ؟
فقال لي : ومن يأمنه ؟؟؟
فالموت ليس له صاحب , فإذا جاء انتهى كل شيء .
و ليس له مكان , فالعالم كله بأسره مكانه .
ولا تستطيع الهروب منه أو الاختباء ولو كنت في بروج مشيدة.
وليس له زمان , فهو يعمل طوال اليوم على مدار العام .
ولا ينتظر أحد ولكن الكل ينتظره.
وهادم الآمال والطموحات والأحلام .
وقبله شيء وبعده شيء آخر .
فهو نهاية المرحلة الأولى للإنسان وبداية الحياة السرمدية له إما جنة ونعيم وإما نار وجحيم.
فقلت : بسم الله ماشاء الله والله أكبر... هذا ليس كلام مذنب ولكنه كلام تائب منيب لله تعالى .
فقال : نعم ... هذا ما أشعر وأحس به .. اللهم إني تبت إليك وأنبت إليك وعزمت ألا أرجع إلى معصيتك ,أعوذ بك من شر ما صنعت , أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فأغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

ولكني أخاف من عاقبتي ونهايتي !!!

فقلت له : نحن جميعا نخاف من سوء الخاتمة .. وحتى أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول: لو أن لي قدم في الجنه وقدم خارجها ما أمنت مكر الله فأين نحن من الصديق رضي الله عنه ؟
فيا أخي العاصي المذنب جدد توبتك لله تعالى فإن الإنسان خطاء وخير الخطائين التوابون المجددون استغفارهم وتوبتهم لله تعالى , فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم , فمن أخطأ فيجب عليه أن يبادر بالتوبة لله تعالى وإن أخطأ ثانية فيتوب وإن أخطا ثالثة فيتوب , يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(والذي نفسي بيده _ أو قال والذي نفس محمد بيده _ لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله عز وجل لغفر لكم والذي نفس محمد بيده _ أو قال والذي نفسي بيده _ لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم - صححه الألباني) .

ولكن يا أخي لا تتمهل في توبتك وتسوف فيها وتقول سوف أتوب غدا ... فإنك لا تعلم متى ستموت , فإن أحسن الله خاتمتك فسيدخلك الجنة إن شاء تعالى , ولكن إن كانت خاتمتك غير ذلك فندعو الله لنا ولكم العفو والعافية .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن العبد ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل الجنة وإنه من أهل النار وإنه ليعمل فيما يرى الناس بعمل أهل النار وإنه من أهل الجنة وإنما الأعمال بالخواتيم ).
يقول الله تعالىDMOAثم تاب عليهم ليتوبوا) التوبة118

فاللهم يارب ياكريم يا ذا الفضل والإحسان تب علينا جميعاً لنتوب و أحسن خاتمتنا جميعاً وخاتمة المسلمين أجمعين وتوفنا وأنت راض عنّا .

آمين ... آمين يارب العالمين.
[/rtl]

[rtl]
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
وصلى الله تعالى وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
[/rtl]

[rtl]
تم الانتهاء من هذا الكتاب بإذن الله تعالى ومشيئته
يوم الخميس 4/8/1434هـ الموافق 13/6/2013م
[/rtl]